أطفال الجنة .. حذاء صغير وقلوب كبيرة
حذاء وردي صغير أهلكه الزمن، يحمل
معاناة طفلة بل أسرة بأكملها، يحاول الإسكافي أن يصلحه ليستأنف رحلته اليومية في ستر
قدمين بريئتين.. بهذا المشهد المؤثر يبدأ المخرج الإيراني مجيد مجيدي فيلمه
"أطفال الجنة" ليورطنا منذ البداية في قصة حذاء تُعري ملامح الفقر
القبيحة غالباً والصانعة لأبطال حقيقيين أحياناً!
تدور أحداث هذا الفيلم حول طفل
"علي" (8 سنوات) يقوم بدوره مير فرخ هاشميان، يذهب لتصليح حذاء أخته
الصغرى، لكنه للأسف يفقده بعد تصليحه ويفشل في العثور عليه.
يعود علي إلى المنزل حزينا ومضطرا
لمصارحة "زهراء" تقوم بدورها بهاره صديقي، وظلا يبكيان في صمت طفولي
وخوف من أن يكتشف الأب المشكلة خصوصا أنه لا يمكنه شراء حذاء جديد على الأقل الشهر
الحالي، وتواجه زهراء مأزقاً حقيقياً فكيف ستذهب صباحا للمدرسة من دون حذاء؟! في
النهاية يتفقان على أن يتبادلا حذاءه القديم بحيث تلبسه زهراء صباحا وحين تعود من
المدرسة يأخذه منها علي ليذهب هو إلى مدرسته المسائية!
وظلا هكذا يومياً .. ينتظر علي في مكان قريب
من البيت يملؤه الخجل والخوف من أن يراه أحد ومن التأخير على مدرسته، إلى أن تأتيه
زهراء ركضاً لتبدل معه الحذاء بـ "شبشب" بلاستيك قديم ليبدأ هو رحلة
الجري إلى المدرسة وتعود هي إلى المنزل تنتظر صباح جديد من المعاناة!
علي التلميذ الحساس، المتفوق دراسياً يعرف
أن المدرسة تنظم مسابقة للجري، وأن من يحصل على المركز الثالث سيفوز بحذاء رياضي.
طلب من مدرس التربية الرياضية أن يشركه فيها، وبعد بكاء ومحاولات في الإقناع قبل المدرس
اشتراكه. ذهب فرحا إلى زهراء يخبرها بأنه سيفوز بحذاء رياضي ويستبدله بآخر
"بناتي" ليقدمه هدية لها بدلا من حذائها المفقود.
علي الذي اعتاد الركض يومياً
إلى المدرسة، لم يكن بحاجة إلى التدريب كثيراً وحين بدأ السباق كان حرصه على كسب
الحذاء أكبر من حرصه على الفوز في حد ذاته، فنراه أثناء لدرجة أنه تأخر متعمدا
خطوات إلى الوراء حتى يظل محتفظاً بالمركز الثالث!
كان علي يتعثر أحيانا، خصوصا بعد أن
طرحه أحد زملائه المنافسين أرضاً، لكن صوت أخته وحرصه على تعويضها ومراعاته ظروف
أسرته كان دافعا قويا للفوز. وحين أُعلن فوزه بالمركز الأول.. بكى، لأنه فشل في
الحصول على الحذاء.. لم يكن منتبهاً إلى كاميرات التصوير وفرحة أساتذته وتهليل
الحضور.. فقط عيناه على الحذاء المفقود للمرة الثانية!
عاد إلى البيت بنظرة خجول
وإحباط جديد، فعرفت أخته أنه لم يستطع الوفاء بوعده لها.. وينتهي الفيلم وهو جالس
يريح قدميه المجروحتين في حوض الماء الذي يتوسط باحة البيت، وينظر إلى حذاءه الذي
فقد الصلاحية نهائياً، وفي مشهد مواز يعود الأب وقد اشترى للطفلين زوجان من
الأحذية الجديدة!
.........................................
المقال منشور في جريدة القبس الكويتية
تعليقات
إرسال تعليق