فاتورة الحرب تدفعها أجساد النساء!


حرب، نساء، امرأة، جسد، رضوى فرغلي، جريدة اليوم الجديد، عنف جنسي، اغتصاب، بغاء، دعارة، شرف المرأة
في عيادتي مرت عليّ بعض النساء السوريات التي تعاني نفسيًا بشكل كبير جراء "المأساة السورية" .. أمهات وفتيات أرواحهن تشبه "الغربال" كل رصاصة تُطّلق، تُحدث ثقبًا يسقط منه أخًا أو ابنًا أو زوجًا أو صديقًا أو جارًا .. وعبّرت حالات كثيرة عن شعورها بأن الموت أو المرض أو التهجير، أرحم من تعيش المرأة مع عذاب العنف الجنسي.

لا تتوقف ويلات الحرب على الفقد والترويع والخراب فقط، لكنها تستكمل دائرة الجحيم بانتهاك جسد المرأة واستباحة شرفها .. جسد المرأة المؤرق لمعظم الذكور المستفز لفحولتهم المزعومة دائما .. جسد المرأة شاهد العيان الحقيقي على عدوانية الذكر وكراهيته الكامنة على مر العصور .. جسد المرأة، ساحة الحرب الحقيقية التي يُصفي عليها الذكر حساباته مع خسائره وهزائمه وفشل علاقته مع نفسه والآخرين.

تناقلت وسائل الإعلام خبر "تحرير" 75 امرأة معظمهن سوريات وبينهن قاصرات، من أكبر شبكة دعارة في لبنان. إضافة إلى تعرضن للضرب والاغتصاب، كما حملت بعضهن آثار تمزق أجزاء من أجسادهن وأجبرن على ممارسة أفعال جنسية والتقطت لهن صور فاضحة تم توزيعها". جريمة أخرى تضاف إلى تاريخ العار البشري الذي وقع ضحيته آلاف النساء في سيراليون والصومال والعراق والبوسنة والهرسك وكوسوفو ودارفور ورواندا وكرواتيا والكونغو وما حدث في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية حيث معسكرات الاغتصاب الجماعي وما حدث من اليابان ضد نساء الصين، وغيرها.

تاريخ ملوث

استوقفني في خبر "سيدات سوريا"، أكثر من نقطة:

v   لم يتوقف الأمر عند إجبار النساء على ممارسة الجنس وحبسهن في أوكار خاصة، وإنما أيضا تشويه أجسادهن وتصويرهن وتوزيع الصورة كدعاية لحالة الحقد الذكوري وتسجيل لإحباط نفسي عميق يعبر عن ذاته على جسد يفضح الذكر وخيباته المتتالية في الحياة وشذوذه الجنسي.

v   من بين الأسيرات، فتاة قاصر! استمعتُ إليها عبر إذاعة الـBBC وكيف حاولت الانتحار للخلاص من هذه البشاعة، لكنها لم تجد له سبيلا. وكأن لا يكفي لهذا الجسد، الإهانة والتشويه، وإنما التخلص منه أيضا، إذا لم يعد قادرا على الاحتمال.

v   كان ضمن العصابة، طبيب وممرضة. أعترف الطبيب خلال استجوابه بالقيام بنحو 200 عملية إجهاض للنساء الأسيرات. ولطالما كان تاريخ البغاء ملوثا بخيانات من نظن أنهم مصدر حماية ورعاية. كأن يصحب "أب" ابنته القاصر إلى "الزبائن" أو يعتدي "عم" على جسد ابنة أخيه، أو يساوم ضابط شرطة سجينة على عِرضها!

v    تُجبر الفتاة على الممارسة مع 10 : 20 زبونًا يومياً. وتصادر "الحارسات" "البقشيش" وفي حال كان أقل من 10 دولارات، تُعاقب الفتاة بالجلد لدرجة تقيح الجلد! والمؤسف حقًا تواطؤ بعض النساء (حارسات، ممرضات) على البعض الآخر (الضحايا) وانتقامها من بنات جنسها وهو صفة ملازمة أيضا لهذا النوع من الاستغلال على مر التاريخ، فصراع المرأة مع المرأة أكثر ضراوة وتعقيدا من صراعها مع الذكر.

آثار همجية

تمر السنين وتنتهي الحروب ويُعمر الخراب وتستعيد البلدان حياتها الطبيعية ويظل جسد المرأة حاملًا لآثار همجية الإنسان، يستغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا وطاقة نفسية عميقة لتجاوز تبعات العنف والتشويه الجنسي والآثار النفسية ما بعد الصدمة.

هل ساعدت القوانين المحلية أو الاتفاقيات الدولية في الحد من هذه الكارثة؟
للأسف تبدو الجهود هزيلة إذا ما قورنت بحجم وفظاعة الجريمة. منذ 1968 بدأ اهتمام الأمم المتحدة بهذا النوع من الجرائم، وفي 2002 صادقت 60 دولة على وثيقة روما التي تضمنت بشكل صريح أن أشكال العنف الجنسي وقت النزاعات المسلحة هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. ورغم ذلك استطاع معظم المجرمين الفرار من القوانين والاتفاقيات والمسائلة رغم ثبوت الجرائم مثلما حدث في محكمة طوكيو وعقب الحرب العالمية الثانية ورواندا ويوغسلافيا والبوسنة والهرسك ودارفور، ومن حوكموا هم عدد ضئيل جدا على مر العصور وغالبا ما تكون العقوبات مخجلة مقارنة بعمق الجريمة. وهو ما يجعلني أؤكد أن القصور ليس في المواثيق الدولية أو نصوص القانون، وإنما في التطبيق على أرض الواقع، وكأنه تواطؤ آخر واشتراك بطريقة ما في الجريمة بل والسماح بتكرارها.

ما يمكننا الآن أن نفعله هو الضغط المجتمعي في اتجاه تفعيل هذه القوانين واقعيا .. إضافة إلى تكثيف الجهود الطبية والنفسية والاجتماعية لمساعدة هؤلاء الفتيات وعائلاتهن على تجاوز الأزمة والتقليل من مشاعر الخجل والإحساس بالذنب الدائمين بعد الصدمة بجانب الأعراض الأخرى، وكأن المرأة تدفع فاتورة الحرب مرتين، مرة باغتصابها وأخرى بتحميلها وحدها تبعات هذا الاغتصاب، ما يجعل بعضهن يفضل الانتحار للأسف .. ما يدفعني للقول أن: "الحرب يقررها رجل وتدفع فاتورتها امرأة".
....................................................................
(المقال منشور اليوم في جريدة "اليوم الجديد" المصرية)




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أطفال الجنة .. حذاء صغير وقلوب كبيرة

أربع نساء يبحثن عن الحب

11 طريقة تعرف بها أن شريك حياتك يحبك