الحياة تسكن التفاصيل
يقولون:
"الشيطان يسكن التفاصيل"، وأقول: "الحياة تسكن التفاصيل". تلك
الأشياء البسيطة التي تصنع الحياة أو تفسدها .. تشكل وجداننا بالسلب أو بالإيجاب
.. فنميل عاطفيًا إلى شخص ما بسبب سلوك يبدو بسيطًا أو على العكس ننفر منه لعدم
حرصه المقصود على مراعاة تفاصيلنا الصغيرة.
أحيانا أثناء المشي الشارع
يدفعك شخص بكتفه ويكمل طريقه دون أن يلتفت وراءه ليعتذر لك ولو بإشارة استرضاء ..
وكثيرا ما يتخطاك أحد بسيارته أو أنت تسمح
له بالمرور قبلك لكنه لا يكلف نفسه أن يشير لك شكرا أو عذرا! وكثيرا ما يطرق أحدهم
الباب ثم يدخل فورا دون أن ينتظر أن يسمع منك كلمة "اتفضل"، وكأنه
"عمل الواجب وزيادة" بطرقه الباب ولا يفهم أنه بذلك طلب الإذن بالدخول
وعليه انتظار الإجابة! وقد يناولك طفلك شيئا ولا تكلف خاطرك أن تشكره، ليس لأنه
حقه فقط وإنما لتعلمه بسلوكك آداب التعامل في الحياة فيما بعد وبشكل عملي بعيدا عن
التعليم النظري.
مننا
وعلينا !
كلها مواقف قد يراها
البعض تافهة، لكنها مهمة في التواصل الإنساني اليومي.. لماذا سقطت منا هذه
الملاحظات ولم نعد نهتم بها؟! رغم أن موروثنا القيمي والديني يحثنا على الالتفات
لها دائما، لأن لها مفعول إيجابي شديد التأثير على الطرف الآخر ويعكس صورة متحضرة
عنا للآخر.
1)
أحيانا الطبيعة غير
العاطفية لبعض الأشخاص، مع كثرة الضغوط الحياتية، تجعلهم أكثر حدة وأقل اهتماما
بالتفاصيل.
2)
الحياة المادية
والبرجماتية التي طغت على المجتمع جعلتنا نقفز فوق عتبات إنسانية جميلة وحميمة.
إضافة إلى تراجع دور الأسرة والمدرسة في التركيز على الالتفاتات اللطيفة في
تعاملنا مع الآخرين.
3)
إحساس البعض بالتعالي
والفوقية يجعله يستكبر أن يعتذر أو يستأذن أو يشكر أو يطلب بامتنان، ظنا منه أن
ذلك يقلل من مكانته أو يظهره بمظهر الضعيف.
4)
قد تعبر هذا التجاهل عن
"النزعة الاستعراضية" والتباهي بشخصية غير مبالية بالآخرين، وهو ما يعكس
تكوين نفسي يفتقد إلى الثقة بالنفس وتقدير الذات.
5)
الحالة الأكثر فظاظة
في تصوري، أن بعض الناس يضغط على نفسه ليكون في غاية الرقة مع الغرباء، بينما
يتعامل بلامبالاة مع المقربين، بحجة أنهم أهلنا و"منا وعلينا" ولا داعي
لأن نستأذنهم أو نشكرهم أو نعتذر لهم لأن هذه أشياء تفرضها العلاقة مع الغرباء
فقط، وبالتالي ندور في دائرة مفرغة لا تنتهي.
الكلمة
الحلوة
إنسانيتنا تشبه
الماء، تتكون من جزيئات دقيقة، نسيج متكامل لا يتجرأ ولا ينفصل عن بعضه البعض،
وبمجرد تفككه أو خلخلة هذه الأجزاء، نتحول إلى شيء آخر غير كوننا "بني
آدميين".. نصبح كائنات تأكل وتشرب وتجمع المال، لكنها تتعامل بجمود وعدم
رُقيّ.
الكلمة الحلوة
والسلوك المهذب الرقيق، تخلق لنا مساحة شفافة وحنونة في قلوب الآخرين وتجعلهم يغفرون
لنا أخطاءنا العابرة ويمنحوننا بحب ما لا نتوقعه. كلما تركنا رصيدا جميلا من
العواطف داخل من نعيش معهم أو نقابلهم في الحياة، كلما أمكننا الاتكاء عليه وقت
الحاجة، كلما ساعدنا ذلك أيضا على تنظيف نفوسنا من الشوائب اليومية .. تلك
التفاصيل هي ما تجعلنا نحتمل عبء الحياة.
.......................................................
(المقال منشور اليوم في جريدة "اليوم الجديد" المصرية)
.......................................................
(المقال منشور اليوم في جريدة "اليوم الجديد" المصرية)
تعليقات
إرسال تعليق