المليونير المتشرد
أ. قام بالغش ب.
محظوظ
ج. عبقري د. كان مُقدر له!"
ج. عبقري د. كان مُقدر له!"
يحتفي الفيلم بالهند وطنا ورموزا وشعرا
وموسيقى وأغاني وآثار وفقر وأطفال شوارع أيضاً عبر تفاصيل صغيرة وبسيطة لكنها
عميقة الأثر تترك المشاهد مشدوها أمام فيلم يحترم حواس الإنسان رغم ما به من هنات،
فيظهر أميتاب باتشان في لقطة عابرة مثل أسطورة تهبط من السماء، وغاندي الذي يجسد
نضالا ورمزية تاريخية بصورته الخالدة على العملة الوطنية، وسورداس في سؤال تحدٍ في
البرنامج، وتاج محل بوصفه الجنة على لسان طفل يجتر الألم كل صباح. هذا الاحتفاء
الذي لا يجرحه سوى نقد بسيط للهند أو بمعنى أصح للسلطة بكل أشكالها أكثر منه للوطن.
بكتابة رشيقة وإخراج محترف وتمثيل واعٍ
بدأ الفيلم من لحظة القبض على "جمال" بتهمة الغش في الإجابة على أسئلة
البرنامج، تلك التهمة التي لا تمثل محور القصة فقط، إنما تلخص بدقة صراعا نفسيا عميقا
بين مقدم البرنامج وذاته، ومن ثم بينه وبين البطل.. تنتقل الكاميرا بذكاء لتنقل
لنا ملامح معبرة وصوت مستفز غالبا ومتوتر أحيانا وحركات جسدية تعكس إحساسا عميقا
بالدور يتقنه الممثل "أنيل كابور" شخصية مقدم البرنامج الذي تجاوز الفقر
وصعد إلى طبقة الأثرياء، لكنه لم يتجاوز إحساسه بالدونية وعدم الثقة بالنفس التي
تجعله يجلس أمام البطل خائفا متوجسا قلقا كأنه أمام مرآة ذاته المشوهة، يجتر
تجربته المريرة مع الفقر دون كلام، ويحاول بكل وسيلة عرقلة "جمال" عن
الفوز وصب كل عدوانه عليه بالسخرية والتهكم وإحباطه وإغوائه بالإجابة الخطأ، وكأنه
ينتقم من صورته القديمة ويحاول محو كل ما يذكره بها، وأن يحتفظ وحده بحق الصعود
والارتقاء الذي مكنه من استغلال نفوذه في الإبلاغ عن "جمال" لينتقل بنا
الفيلم إلى قضية أخرى مهمة وهي الزواج الكاثوليكي بين السلطة والمال وتوظيف
القانون في دول العالم الثالث للصالح الشخصي، وعدم مراعاة آدمية البشر، وإن حدث فيكون
ذلك في اللحظات الأخيرة ومن خلال حل فردي مثلما حدث في تبدل موقف الضابط المحقق مع
البطل في قسم الشرطة!
رغم أن حضور الأنثى في الفيلم كان شاحبا
من حيث مساحة الدور، إلا أنه حضور عميق من حيث التأثير، خصوصا في حياة البطل. في
البداية تموت الأم في حادثة مؤثرة أمام عيني طفليها، تدين الاحتقان الطائفي وجرائم
الإرهاب، بعدها ينتقل الطفلان إلى مرحلة أخرى، هي الانضمام إلى فئة أطفال الشوارع،
في رحلة مجهولة بعدما انهار آخر صمام أمان لهما. هنا يعالج الفيلم التحولات التي
يمر بها طفل الشارع بمنطقية وعمق دون تزييف أو إدعاء أو اختلاق مواقف، ساعده على
ذلك التصوير المتقن في الأماكن العشوائية الحقيقية بمشاهد سريعة تترك أثرها في نفس
المتفرج.
الحضور الآخر للأنثى كان من خلال
الحبيبة "لاتيكا" التي يحملها البطل في قلبه مثل وشم امتزج بدمه، فكانت
الدافع الجوهري وراء اشتراكه في البرنامج وبالتالي تغيير مصيره كلية، وكأنه انتصار
أبدي للحب والمشاعر النبيلة حين تغذي داخلنا حب الحياة وتصالحنا مع القدر.
يخلق الفيلم لوحة تشكيلة مليئة بالمتعة
بصرية، وإثارة للمشاعر والعواطف، والثقافة الجغرافية، والتاريخية، ببساطة فنان
واثق من قدراته، إلا أن هذه اللوحة لم تخلو من بعض الألوان الصاخبة في مناطق
معينة، مثل عدم منطقية الطريقة التي حصل بها "جمال" على إجابات بعض
الأسئلة مثل "صورة بينجامين فرانكلين"، أو حادثة وقوعه وأخيه "سليم"
من قطار يسير بسرعة عالية دون إصابتهما بأي خدوش أو كدمات.. هنا استحضرت أنه
"فيلم هندي". كما أن الصراع اللاشعوري بين مقدم البرنامج والبطل
"جمال" رغم إتقان "أنيل كابور" للدور بطريقة ملفتة، إلا أنه
كان يحتاج إلى إبراز أصله الكامن داخل نفس مقدم البرنامج.
وأخيرا بإحساس مرهف ووسط استعراض مبهج
يغادرنا الفيلم بأماكنه وشخوصه وأحداثه تاركا على شفاهنا ابتسامة شجن وإحساس غامض
بالفرح والحزن معا.
......................................................
(المقال منشور من قبل في جريدة القبس الكويتية)
......................................................
(المقال منشور من قبل في جريدة القبس الكويتية)
تعليقات
إرسال تعليق