تعالوا نتكلم عن الجنس

الجنس .. كان ومازال أحد طلاسم الطبيعة الإنسانية، يرسم لنفسه ملامح بدائية محفورة من عمق الشهوة، ورهافة الحس، وحرارة الدفء الإنساني. يتخذ من الجسد جسراً للتواصل الحسي مع الشريك الآخر، ووسيلة فعالة للتعبير عن العواطف والمشاعر التي تسكن النفس. لذا تُعتبر العلاقة الجنسية بين طرفين مؤشراً إيجابياً على قوة ونجاح العلاقة. 

يسكن معظمنا تجاه الجنس، مشاعر متناقضة ومحيرة ما بين الخجل، والكلام همساً، ونظرات الريبة والتحفز، وبين الإدانة والنقد اللاذع لمن يخوضون حديثا جنسيا من أي نوع، ومع ذلك، العيون تبحث سراً عن كل ما يتعلق به: أفلام، قصص، صور، مقاطع فيديو، بلوتوث، مواقع إباحية، أصدقاء وزملاء، نساء ورجال يتبادلون النكات الفاحشة والحوارات السرية. وعلى النقيض من ذلك، عندما نواجه مشكلة ما، فإن معظم الناس لا يعترفون بمشكلاتهم الجنسية ولا يسعون إلى حلها سواء مع أنفسهم أو مع الشريك، بل يحتفظون بها داخل غرفة سرية، لا يطلع عليها أحد، ظنا منهم أن إخفاءها أو تجاهلها أو القفز عليها هو الحل الصحيح، بينما الحقيقة أنها تظل حية ونابضة بالألم تنتهز أي فرصة للتعبير عن نفسها في جوانب أخرى من علاقتنا بأنفسنا أو بشركائنا! 

نتربى جميعًا على أن "الجنس عيب وقلة أدب"، خصوصا البنت التي تعتبر "مؤدبة" كلما كانت جاهلة وتفتقد إلى الثقافة الجنسية. وحتى تتزوج لابد أن تُظهر للرجل أنها "خام" ليست لها أي تجارب عاطفية أو جنسية سابقة، بغض النظر عن كون هذا صحيحا أم لا! 
نحن لا نحاول أن نفكر بالجنس باعتباره أرقى الغرائز الإنسانية في ارتباطه النوعي بالمشاعر والعواطف، فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي لا يمتلك موسما للتزاوج أو التكاثر. ورغم ذلك يتصور البعض أننا إذا استبعدنا الجنس من حياتنا وتفكيرنا وفرضنا عليه رقابة قصوى، نكون بذلك قد تحررنا منه وتحول إلى آلة لإنتاج الأطفال فقط. 

وللأسف تتطور مثل هذه الاعتقادات لتصل إلى حد القناعة والمبدأ العام الذي يستوجب الدفاع عنه وتعميمه على المجتمع، ولا نحاول مراجعة هذه الأفكار، ويكتفي كل منا بالحلول السرية التي يرتضيها لنفسه دون الإعلان عنها أو مواجهة الآخرين بها، والنتيجة أننا نعيش حالة انفصام جنسي، إن جاز التعبير.

لأننا نجهل المعنى العميق للجنس، بالتالي نجهل أهمية الثقافة الجنسية، فبعض الناس يتخيل أن التثقيف الجنسي يتم عن طريق أفلام البورنو، أو عبر الخوض في أحاديث جنسية هابطة دون هدف، في حين أن الثقافة الجنسية هي الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن موقفنا (كبار وصغار) منه وتحديد شكل علاقتنا به.

لا شك أن ممارسة الجنس لدى الإنسان تتأثر بعوامل نفسية واجتماعية، عكس الجنس عند الحيوان الذي تحدده عوامل بيولوجية، كإفرازات الغدد الصماء التي تؤثر على الجهاز العصبي فتحدد سلوك الحيوان الجنسي، لذلك فإن استئصال تلك الغدد يؤثر سلبا على الغريزة الجنسية لدى الحيوان، بينما لا يزيل الرغبة الجنسية لدى الإنسان الذي يثار جنسيا وإن كان عقيما، لأن الإثارة لديه لها منطلق نفسي منفصل عن التأثير الهرموني، كما يلعب الآخر (الشريك) دورا عميقاً في العلاقة الجنسية الإنسانية. 


إن الجنس وسيلة للتواصل والتناغم مع الآخر، والاتحاد بالشريك، فالنزعة الجنسية تدفع الرجل والمرأة أحدهما نحو الآخر بهدف أن ينصهرا من خلال تداخل الأجساد، في لقاء حميمي، وبلوغ نشوة أكبر من مجرد إزالة توتر عضوي، تحقيقا للأسطورة الأفلاطونية "إن الذكر والأنثى كانا كائنا واحدا يجمع أعضاء الذكر وأعضاء الأنثى، لكنهما انشطرا نصفين، ومنذ ذلك الحين أصبح كل من الشطرين يحن للقاء الآخر ليعيد الكيان الواحد الأصيل". 
وفي سعي الإنسان لهذا الاتحاد يحدث أحيانا ما نسميه "إخفاقات الجنس" التي تنتج من اضطراب العلاقة بين الفرد وشريكه. وقتها يصبح لشريكن كعازفين في فرقة واحدة لكن كل منهما يعزف لحنه الخاص بعيدا عن الانسجام الذي لا يتحقق إلا بعزفهما معاً. يبدو المشهد ارتجالياً وعشوائياً ينزوي كل منهما في ركن قصي من الحياة يبحث عن متعته الفردية، يتقابلان فقط على سفرة الطعام، أو في سرير بارد يؤديان فيه طقسا روتينيا لدفع الاحتياج المؤلم، أو في زاوية المنزل يتبادلان كلاماً جافاً. في هذه الحالة التي يتحول فيها الرجل والمرأة إلى آلة تفريخ أطفال، تسقط المتعة الجنسية على عتبة الملل، والفتور، والخجل من المواجهة، وبالتالي تظهر سلوكيات جنسية أخرى مضطربة لتسد فجوة الاحتياج وخفض التوتر العضوي المصاحب له.

لذلك أؤكد دائما أن التواصل الجنسي هو توحد مع الآخر، مسرب إنساني راق للتنفيس عن طاقتنا السلبية، نشعر بمتعته حين يرتبط بالمشاعر فيمنحنا إحساساً عميقاً بالأمان والسكينة، أما حين يتحول إلى روتين أو فعل بارد، فإن العلاقة كلها تصبح عبئا نفسيا على الطرفين بدلا من كونها مصدراً للراحة والمتعة. 

ولا يقتصر هذا المعنى العميق والمتحضر للجنس على الأشخاص الناضجين فقط، بل الأطفال باختلاف مراحلهم العمرية أيضا. عدم وعي الطفل بجسده ووظائفه المختلفة وعلاقته الصحية معه، يحول الجنس إلى سُعار يلتهم أطفالنا بلا تمييز، بئر يسقط فيه الكثيرين بعدما يتربص بهم عديمي الضمير والشواذ، فئة من المهووسين جنسيا ينتهكون أجسادا بريئة في غياب وعي الأسرة أو الشعور الزائد بالأمان أو عدم الانتباه لواقع مشوه وقلوب خربة وعقول عشش فيها الانحراف. 

إن الحياة الجنسية عند الطفل تشكل تكوينه النفسي والاجتماعي وتحدد كيفية التعامل مع ذاته ومع الآخر مستقبلا، لذا فالتعامل معها يحتاج إلى حذر وحرص كبيرين، فأي تشويه في هذا الجانب سيقود الطفل إلى مصير مجهول. ففي غياب الوعي الجنسي، يوم نسمع ونقرأ عن حوادث بشعة يفقد فيها الطفل عذريته الجسدية والنفسية وربما يدفع حياته ثمنا للحظة رغبة عمياء.
لذلك فإن الوعي بالجنس بمفهومه العلمي والإنساني الراقي، هو صمام الأمان وحائط الصدّ لكثير من الاضطرابات، وطريق ممهد للمتعة في جانب هام من حياتنا. 
_____________________
نُشر هذا المقال من قبل في جريدة الصباح المصرية

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أطفال الجنة .. حذاء صغير وقلوب كبيرة

أربع نساء يبحثن عن الحب

11 طريقة تعرف بها أن شريك حياتك يحبك