طفل الشارع .. التكيّف مع الإساءة الجنسية

أخطر ما يتعرض له طفل الشارع، هو الإساءة الجنسية واستغلال ضعفهم وصغر سنهم وعدم قدرتهم على مواجهة الإغواءات أو الانتهاك الجنسي سواءً من قِبَل مرتكبيها أم الوسطاء. الآلاف من أطفال الشوارع في بلدان كثيرة يعملون على إشباع رغبات الرجال والنساء من البلد نفسه أو البلدان الأخرى، ما ينتج عنه تعرضهم للمخاطر الصحية بما في ذلك الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب، والأمراض النفسية والتناسلية وإدمان المخدرات، والحمل غير الشرعي لفتيات الشوارع، بما يجعلهم رهائن لواقع مشوه يسود فيه الضعف وفقدان الثقة بالآخرين والإحساس بالعار والنبذ من المجتمع. ومن الدراسات القليلة التي أجريت في روسيا والبرازيل ونيجيريا وكندا والولايات المتحدة، يتضح أن ما يقرب من 10% إلى 50% من أطفال الشوارع مصابون بـ«الإيدز» دون وجود برامج حقيقية وفعالة للحد من استفحال هذا الوباء الذي ينتشر عن طريق الجنس غير الآمن وتبادل الحقن في حال تعاطي المخدرات.
 جزء كبير من هذا الاعتداء الجنسي يتم من قِبَل «الزعيم»، وهو شاب شارع يقوم بالاعتداء عليهم جنسيًّا مقابل الحماية وفرض سيطرته عليه، وأحيانًا بهدف أن يكون الجميع سواسية فلا يوجد طفل تم الاعتداء عليه وطفل آخر لم يتعرض للاعتداء. وأكثر الأطفال عرضة لخطر الاعتداء الجنسي هم حديثو العهد بالشارع، ويتم ذلك في فترة “التعميد” أو حتى في دور الإيواء من قبَل الأطفال الأكبر سنًا.
 وكثير من الفتيان يترددون في الحديث عن العنف الجنسي، ومعظمهم لا يطلبون مساعدة طبية رسمية أو يبلغون الشرطة لشعورهم بالحرج وإحساسهم بأن الشرطة لن تفعل شيئًا بل ربما تسخر منهم. كما يتورطون في ممارسات جنسية بالتراضي مع بعضهم بعضًا أو يمارسون العمل في مجال الجنس من أجل المال والغذاء أو الحصول على مكان للنوم.
 المؤسف أن هؤلاء الأطفال، برغم هذا الاستغلال والإساءة، فإنهم غير عاجزين تمامًا عن المقاومة أو الرفض وليسوا مجبرين بشكل تام، لكنهم متأقلمون ومتكيفون مع هذا الوضع دون انهيار نفسي واجتماعي بسبب تبلد إحساسهم على المستوى العاطفي والانفعالي وأصبحوا لا يشعرون بحساسية مفرطة تجاه هذه التجارب المؤذية.
 كما أن البرامج التعليمية عن التحرش والأذى الجنسي والأمراض الجنسية المعدية والإيدز، لم تكن ناجحة مع أطفال الشوارع، لأن اندفاعهم العالي وحاجتهم للإشباع الفوري تجعل من التفكير في الأخطار البعيدة أمرًا غير واقعي، فهم غالبًا ما يعيشون الحياة بمنطق «إن كان هذا يومك، فإنه يومك»، ودائمًا يرددون أن هذا النوع من الأمراض أو المخاطر لا تسبب لهم قلقًا كبيرًا، فيقول أغلبهم: «على أي حال أنا معرض أكثر أن أموت بطعن سكين في ظهري». لذلك فإننا دون معرفة حقيقية بالثقافة الفرعية التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال، فإنه من الصعب أن نقول لهم أي شيء عن معنى ما نسميه بـ«الإساءة الجنسية» بالنسبة لطفل الشوارع.
(من كتاب «أطفال الشوارع: الجنس والعدوانية»، الدار المصرية اللبنانية، مصر، 2012)
__________________________
تم نشر المقال من قبل في موقع الممر

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أطفال الجنة .. حذاء صغير وقلوب كبيرة

أربع نساء يبحثن عن الحب

11 طريقة تعرف بها أن شريك حياتك يحبك