البنت الغـريبة
-------------
بمجرد أن دخلت البنت المطعم ممسكة بيد أبيها، هزت "مريم" كتف أمها:
- ماما. ماما. انظري. هذه البنت غريبة!
رفعت الأم بصرها بهدوء وقالت بصوت منخفض وحاسم:
- لا تتدخلي في شئون الناس، اكملي طعامك. 

عضت "مريم" على شفتيها، وسكتت لكنها ظلّت تسترق النظر بين وقت وآخر إلى الطاولة المقابلة لهم حيث جلست البنت وأسرتها. تركت مريم صحنها وانتقلت لتجلس بجوار أختها الكبرى، مالت على أذنها:
- منال، انظري هذه البنت ملامحها مختلفة عنا، ولماذا كانت تمشي كأنها بطة؟!
وقبل أن تتلقى الجواب، انتبهت الأم، ونهرتها:
- عيب، عيب. 

استأنفت مريم الأكل بصمت، ونظرت إلى البنت، فوجدتها تبتسم وتشير لها بكفها. فسألت مريم أختها:
- هل يمكن أن أصبح مثلها لو اقتربت منها؟
- لا طبعاً يا مريم.
- طيب. كلمي ماما لتوافق على أن ألعب مع هذه البنت. كلميها يا منال.
- هزت "منال" رأسها وأمسكت "مريم" من ذقنها، وقالت:
- لو انتهيتِ من صحنك كله يمكن أن نفكر في ذلك.

نظرت مريم إلى صحنها وهي تحرّك عينيها يميناً ويساراً بحركة فكاهية. ثم عادت للتركيز على البنت وأسرتها.

حاول الأب أن يعدل الكرسي ليكون مريحاً لابنته. سألها وهو يزيح الشعر عن عينيها:
- ماذا تحب أن تأكل سوسن حبيبتي؟
- سمك. وأشارت إلى صورة ضمن قائمة الطعام الموجودة على الطاولة، مرسوم فيها صحن به سمكة وأرز وسلطة، ثم أشارت إلى صورة عصير الفراولة. وأضافت: أشرب عصير.

اقترب النادل من الأب. ابتسمت البنت، وأشارت إلى ما تريد من قائمة الطعام، ورددت : سمك. آكل سمك .. عصير. سمك وعصير. ربتت الأم على كتفها، وقالت: سوسن شاطرة. لكن اتركي بابا يطلب لنا جميعا.

أخرجت أم البنت من حقيبة صغيرة، فوطة بيضاء مرسوم عليها "لولو كاتي" وناولتها للأب. فوضعها على صدر البنت حتى لا تتسخ ملابسها أثناء الأكل. كان يطعمها بهدوء رغم إصرارها على الأكل بمفردها وتململها من وقت لآخر. لازالت تنظر بابتسامة إلى "مريم" وتكرر إشارة يدها بالتحية .

لمحتها مريم وهي تصر بصوت عال أن تذهب إلى حوض الغسيل بمفردها لتغسل يديها بعد الأكل، فانسلت من جانب أختها ولحقت بها. وقفت بعيداً قليلاً، حدقت في ملامحها الغريبة عليها:
- ما اسمك؟
- ردت البنت بحروف متعثرة وهي تغمض عينيها وتفتحهما بسرعة كأنها تستدعي شيئاً بعيداً وصعباً:
- أنا سوسن. وأشارت إلى سلسلة ذهبية في رقبتها معلق فيها دلاية على شكل قلب مسطح، محفور عليه اسمها.

توجهت والدة مريم بسرعة نحو ابنتها خشية أن تنزعج البنت أو أسرتها من تطفلها. وخاطبت أم سوسن قائلة: آسفة ابنتي فقط تريد التعرف على ابنتكم الحلوة.
- تدخل الأب، قائلاً بابتسامة: لا داعي للأسف، ابنتنا تفرح بالأطفال. ثم شجع ابنته:
- سوسن اسأليها أنتِ أيضاً عن اسمها .

ظلت سوسن صامتة قليلا والأب يلاطفها لتطرح السؤال إلى أن نجحت:
- اسمك؟
- مريومة.

ارتاحت الأم أنهم أخذوا الموقف ببساطة، وأضافت موجهة حديثها لأم سوسن:
- ما رأيك أن تلعب سوسن مع مريم في حديقة المطعم بعد الغداء، سنكون سعداء؟

ركضت مريم إلى أختها بملامح يبدو عليها الفرح والقلق معاً:
- ماما وافقت على اللعب مع سوسن. لكن أنا خائفة. انظري لسانها كبير وخارج من فمها، وعيناها مدورتان، ثم إن أصابعها قصيرة وسمينة!
-اخفضي صوتك حتى لا تسمعك، فتغضب منك. العبي معها وعامليها بلطف، وعندما نعود إلى البيت سوف أوضح لكِ الأمر. اتفقنا؟ 

أمضت الطفلتان وقتاً هادئاً ولطيفاً ساعد الأُمّين على التعارف. اقترحت أم مريم على أم سوسن أن تشترك لابنتها في "نادي الزهور" وهو عمل تطوعي تشارك فيه مع بعض صديقاتها المدرسات، ويضم مجموعة كبيرة من الأطفال يتلقون فيه تدريبات على القراءة والكتابة والرسم والموسيقى وحفظ القرآن ومهارات اجتماعية كثيرة. رحبت أم سوسن بالفكرة:
- ما رأيك تشرفونا بحضور حفلة عيد ميلاد "سوسن" الأسبوع القادم ونتفق على موضوع النادي؟
- يسعدني ذلك. كل سنة وهي طيبة.

لم تصبر "مريم". في طريق العودة سألت أختها:


- منال أنتِ وعدتني أن تشرحي لي ما الذي فعل هذا بسوسن! إنها بنت لطيفة. أنا أحببتها ولم أعد خائفة منها.
التقطت الأم الكلام:


- هذا مرض مثل أي مرض يصيب بعض الأطفال. الفرق أنه يجعل قدراتهم العقلية أقل من الآخرين. لكنهم لطفاء جداً مع الناس. يا مريومة لابد أن نحترم الأشخاص المختلفين عنا، ولا نشعرهم أننا خائفين منهم، لأنهم يفهمون جيداً ولديهم إحساس ويتأثرون بتصرفاتنا .. هل تحبين أن يعاملك أحد بقسوة أو بعدم احترام لأنك سمراء؟ أو يعاملني بطريقة سيئة لأنني سمينة؟


-لا طبعا يا أمي. "أنا سمرا وحلوة"، كل مدرساتي يقلن لي: يا "حلوة يا سمرا". فقط، أنا كنت خائفة أن أصبح مثلها.


- يا حبيبتي هذا مرض غير معد، ليس إنفلونزا.


- إذا لم يكن مرضاً مُعدياً، فكيف جاءها؟


- يحدث بسبب خلل في جسم الإنسان ولا أحد يعرف لماذا بالضبط. 


- المهم أنه كان من الممكن أن يحدث لكِ أو لأختك. لذلك يجب أن نتعامل بحب واحترام مع جميع الناس حتى لو وجدناهم مختلفين عنا في الشكل أو الجنسية أو الدين. لأنها أشياء لا يد لنا فيها.


- فهمت يا أمي. يارب يارب اشف سوسن الحلوة، واجعلها سعيدة .


- هي قادرة على اكتساب مهارات كثيرة، ومن الممكن أن تدرس لبعض المراحل وكثير مثلها موهوبين جداً في الموسيقى والرسم والرياضة مثل السباحة والغوص وألعاب القوى.
- السباحة والغوص وألعاب القوى!

- نعم يا مريومة. في العالم كله وفي مصر، مثل "دينا جلال" بطلة ألعاب القوى المتميزة والتي تدربت أيضاً علي العديد من الأعمال مثل: الرد علي التليفون وإرسال الفاكسات والكتابة علي الكمبيوتر.
قالت مريم لأمها بحماس:

- ماما، أريد أن أقابل سوسن مرة أخرى، لو سمحتِ .. لو سمحتِ يا ماما.


- ابتسمت الأم: خلاص فكري لها في هدية حلوة لتعطيها لها في عيد ميلادها الأسبوع القادم.
----------------------------------------------
قصة للأطفال / رضوى فرغلي / منشورة في الأهرام

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أطفال الجنة .. حذاء صغير وقلوب كبيرة

أربع نساء يبحثن عن الحب

11 طريقة تعرف بها أن شريك حياتك يحبك